الأربعاء 15 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التوترات الكورية تدخل على خط  الحرب «الروسية - الأوكرانية» المنعطف الخطير أمام الدول الكبرى

حالة من التوتر الشديد يعيش فيها المجتمع الدولى، جراء تصاعد وتيرة الأحداث المتسارعة بشكل غير مسبوق، بما ينذر بخروجها عن نطاق السيطرة، فى ظل ضبابية المشهد الحالى، وعدم اليقين بشأن المستقبل القريب. 



 

وفى خضم تزايد الحروب والتوترات على المسرح الدولى، لم يكن العالم فى حاجة إلى مواجهة أزمة إضافية متفاقمة، ناجمة عن تشابك التوترات فى مناطق مختلفة.. والحديث هنا، يدور حول تعقيد المشهد بعد ظهور شكل من  أشكال تداخل التوترات فى شبه الجزيرة الكورية، مع الحرب «الروسية - الأوكرانية»، لتخلق أزمة جديدة تكاد تبلغ ذروتها ما لم يتم  السيطرة على الموقف.

ففى الأيام القليلة الماضية، بدأ الحديث يدور عن مشاركة قوات كورية شمالية فى الحرب إلى جانب الجيش الروسى أمام «أوكرانيا»؛ حيث زعمت وزارة الدفاع فى «كوريا الجنوبية» الثلاثاء الماضى وصول أكثر من عشرة آلاف جندى من «كوريا الشمالية» إلى «روسيا»، من أجل دعمها فى الحرب؛ مضيفة إن عددًا كبيرًا منهم فى مناطق خط المواجهة، بما فى ذلك مدينة «كورسك» الروسية. 

وجاءت التصريحات الكورية الجنوبية، بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون)، ادعت فيه بوجود ما لا يقل عن 10 آلاف جندى كورى شمالى فى «كورسك»؛ موضحة -فى الوقت ذاته- عدم استطاعتها تأكيد التقارير، التى تفيد بأنهم يشاركون فى القتال إلى جانب القوات الروسية.

بدورها، سارت وكالة الاستخبارات الأوكرانية -أيضًا- على نفس النهج، حيث قالت إن نحو 12 ألف جندى كورى شمالى، بينهم 500 ضابط وثلاثة جنرالات، موجودون -بالفعل- فى «روسيا»، حيث يجرى التدريب فى خمس قواعد عسكرية.

يأتى هذا، فى ظل تقارير إعلامية غربية وكورية جنوبية، تفيد بأن «كوريا الشمالية» ساعدت «روسيا» -بالفعل- فى الحفاظ على قوتها النارية فى ساحة المعركة، حيث زودتها بملايين قذائف المدفعية، فضلًا عن الصواريخ والقذائف. 

إن تلك التقارير التى لم تنفها، أو تعلنها «موسكو»، و«بيونج يانج»، دفعت «كوريا الجنوبية» إلى تحذير «روسيا»، بأنها ستدعم «أوكرانيا»، حال قرار القيادة الروسية بدعم نظيرتها الكورية الشمالية فى تطوير أسلحتها فى إطار تعاونهما.

من جانبهم، أعرب كل من «الاتحاد الأوروبى»، و«الولايات المتحدة»، وحلفائهما عن القلق من أن الحرب الروسية - الأوكرانية تتخذ منعطفًا خطيرًا جدًا، حال مشاركة القوات الكورية الشمالية فى القتال، ما قد ينقل الأزمة إلى مستوى جديد فى منتهى الخطورة.

قبيل التطرق لخطورة هذا المنعطف الناجم عن تداخل الأزمتين الكورية، والروسية - الأوكرانية، وأبرز ما قد تحمله من تهديدات جديدة، من الضرورى الإشارة لانعكاس التعاون الروسى - الكورى الشمالى على البلدين وأهدافهمها المتبادلة، التى جاءت كنتيجة طبيعية لنبذهما من قبل الدول الغربية وحلفائها. 

 خلفية العلاقات بين «موسكو، وبيونج يانج»

بعد نشوب العملية العسكرية الروسية على «أوكرانيا» فى فبراير 2022، دعمت «كوريا الشمالية» هذه العملية حتى الآن.

وفى سبتمبر 2022، حذرت الاستخبارات الأمريكية -لأول مرة- من نشوء علاقة مزدهرة بين «بيونج-يانج، وموسكو».. وذكرت أن «روسيا» بدأت فى شراء ملايين الصواريخ والقذائف المدفعية من «كوريا الشمالية». وبعدها بشهرين، قال المتحدث باسم الأمن القومى الأمريكى «جون كيربي» إن «كوريا الشمالية» بدأت بشحن عدد كبير من قذائف المدفعية سرًا إلى «روسيا».

وفى سبتمبر 2023، حذر البيت الأبيض من أن محادثات التعاون العسكرى رفيعة المستوى بين «موسكو، وبيونج يانج» تتقدم بنشاط، قبل الإبلاغ عن أن الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج أون» يخطط للسفر إلى «روسيا» للقاء الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين». وبالفعل، وصل «كيم» إلى إقليم «بريمورسكي» فى 12 سبتمبر 2023، لتصبح أول رحلة معروفة له خارج بلاده منذ جائحة (كوفيد-19) فى 2020.

واستمر البلدان فى توطيد علاقتهما وزيارتهما، حتى يونيو 2024، حين زار «بوتين»، «كوريا الشمالية»، ووقع -حينها- اتفاقية (الشراكة الشاملة المشتركة) بين «روسيا، وكوريا الشمالية». 

تتضمن الاتفاقية -بشكل خاص- بندًا ينص على (المساعدة المتبادلة فى حالة العدوان ضد الموقعين).. وهو ما دفع بعض المحللين السياسيين إلى التوقع بأن تستخدم الدولتان هجومًا أوكرانيًا لروسيا (مثل: الهجوم على «كورسك» الروسية)  كذريعة لتفعيل الاتفاقية. 

ومع ذلك، فإن قرارهما بإخفاء هويات الكوريين الشماليين يشير إلى أنهما لم تفعلا ذلك بعد. 

 تحقيق مصالح روسية

إن وجود القوات الكورية الشمالية فى «روسيا» بمثابة ورقة رابحة -بالنسبة  لموسكو- فى الصراع المستمر منذ قرابة 3 أعوام، وذلك لأن القوات الروسية فى احتياج إلى قوة بشرية إضافية، وهذا يشكل عنصرًا واحدًا من الجهود الروسية لملء الصفوف، دون الحاجة إلى تعبئة جديدة للجيش. 

بصورة أوضح، تسعى «روسيا» إلى توسيع حجم قواتها المسلحة بعيدًا عن التعبئة للمرة الرابعة على التوالى منذ بدء الحرب فى فبراير 2022، لأنه رغم المكاسب الروسية الطفيفة فى الفترة الأخيرة، فإن الدعم الغربى لأوكرانيا أدخل «روسيا» فى (مواجهة صفرية)، أو ما يعرف -على نطاق واسع- بحرب استنزاف، وهو ما لا ترغب فيه «موسكو».

ورغم اعتقاد الإعلام الغربي أن استعانة «موسكو» بالقوات الكورية الشمالية بمثابة ضعف ويأس روسى، فإن هناك وجهًا آخر للعملة قد لا يراه (الغرب)، أو يصرف النظر عن ذكره، وهو أن القيادة الروسية ربما تتخذ هذه الخطوة استنادًا إلى اعتبارات تكتيكية، تتمثل فى استعادة «كورسك» من خلال الكتيبة الكورية الشمالية؛ فى الوقت الذى تركز فيه القوات الروسية على تقدمها فى شرق «أوكرانيا».

مكاسب كورية شمالية

وفى مقابل دعمها لروسيا، من المرجح أن ترغب «كوريا الشمالية» فى الحصول على العديد من المكاسب التى تصب فى صالحها، مثل: المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية؛ كما أنها حريصة على أن تكتسب قواتها خبرة قتالية مهمة، لم تكتسبها منذ عقود من الزمان، وسوف تساعد فى تحديث جيشها. 

بشكل أكثر تفصيلًا، فإن الحرب الروسية الأوكرانية ليست وجودية بالنسبة لموسكو فحسب، بل هى -أيضًا- مهمة بالنسبة لبيونج يانج لعدة أسباب، ومنها: منح «كوريا الشمالية» الإمدادات الضرورية للغاية من الغذاء، والوقود، والمواد الأخرى التى تحتاجها، بسبب تداعيات العقوبات الغربية الشديدة المفروضة عليها.

كما يسمح دعم «كوريا الشمالية» لروسيا فى الحرب، اكتساب الجيش الكورى خبرة قيمة فيما يتصل بفعالية صواريخها الباليستية قصيرة المدى، فضلًا عن ذخائرها، بالإضافة إلى اكتساب الجيش الكورى الشمالى خبرة قتالية، وهو ما لم يكن لديه منذ الحرب الكورية.

ومن الاحتمالات المثيرة للقلق -أيضًا- بالنسبة للغرب، هى أن الاتفاق الروسي-الكورى الشمالى يفتح الباب أمام «موسكو» لتزويد «بيونج-يانج» بالدعم لبرامجها النووية والفضائية، وهو ما أثار غضب وقلق «كوريا الجنوبية»، التى اعتبرته تهديدًا لأمنها القومى.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فأحد التحليلات يشير إلى أن «بيونج يانج» قد تحاول تأمين التزامات دفاعية روسية فى حالة نشوب صراع على شبه الجزيرة الكورية، كجزء من المقايضة الأكبر، مقابل إرسال مثل هذه الوحدة الكبيرة من القوات الكورية الشمالية إلى صراع أجنبى بالكامل.

  انعكاس التعاون الروسى - الكورى على الغرب

إن هذه الخطوة التكتيكية من جانب السلطات الكورية الشمالية سيكون لها عواقب طويلة الأجل مع «الاتحاد الأوروبي»، لأنه من وجهة نظر الأخيرة، التى تلتصق -جغرافيًا وبصورة مباشرة- بالحرب الروسية الأوكرانية، تعد «بيونج-يانج» عبرت فعليًا خط اللاعودة. 

وعلى المستوى الاستراتيجى، يخلق انتشار قوات كورية شمالية فى الأراضى الروسية مستوى جديدًا من التعاون الأمنى ​​بين طرفين من أطراف -ما يسمى- (محور الشرق)، أو ما يعرفه (الغرب) لنفسه أنه (محور الشر)، الذى يتألف من: «الصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وروسيا».. وتعود تلك التسمية إلى عدم امتثال تلك الدول للقواعد التى رسمتها الدول الغربية وحلفاؤها، خاصة وأن الدول الأربع تتفق على ازدواجية المعايير الغربية فى التعامل مع العديد من القضايا، إلى جانب رؤيتها بضرورة انتهاء الهيمنة الغربية على المسرح الدولى، وبدء مرحلة جديدة من النظام الدولى متعدد الأقطاب. 

وبالعودة لرؤية الغرب للتحالف الكورى- الروسى، فإن الدول الغربية ترى أن «روسيا» جهة فاعلة فى السياسة الخارجية أقل قابلية للتنبؤ، وأقل حذرًا فى التعامل مع الصراعات، أكثر من «الصين»، وهو ما من شأنه أن يؤدى إلى حالة من عدم اليقين، بشأن المدى الذى قد تدعم به «روسيا» حربًا محتملة قد تخوضها «كوريا الشمالية».

  موقف «الصين»

بذلت «الصين» محاولات متكررة لتفنيد المخاوف الغربية بشأن تحالفها مع «كوريا الشمالية، وروسيا».  ففى اليوم الذى أكدت فيه «واشنطن» وجود قوات «بيونج يانج» فى الأراضى الروسية، أصدرت السفارة الصينية فى «واشنطن» بيانًا رفض فكرة (محور الاضطرابات). 

ومع ذلك، لم تنأ «الصين» -فى الوقت ذاته- بنفسها بشكل أكثر صراحة عن التعاون بين «كوريا الشمالية، وروسيا»، إذ تفك «بكين»، عزلة «موسكو»، و«بيونج يانج» التى فرضها عليهما الغرب عبر سلسلة من العقوبات الاقتصادية، التى لم تمتثل لها «الصين». 

كما جددت «الصين، وكوريا الشمالية» معاهدة دفاع مشترك فى عام 2021.

أبرز السيناريوهات المتوقعة

فى خضم تصاعد تلك التوترات، لا ينبغى توقع «سيناريو» يشمل أى تحرك من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فى ظل معارضة «روسيا، والصين» على جانب، و«الولايات المتحدة» على الجانب الآخر، وامتلاكهما حق النقض (فيتو). 

وعليه، من المرجح أن تأتى الإجراءات والتصريحات من جانب دول مجموعة السبع (G7)، بالإضافة إلى «كوريا الجنوبية، وأستراليا»، وغيرهما من الشركاء ذوى التفكير المماثل، كأحد السيناريوهات المتوقعة. 

ومن شأن هذا التطور أن يعطى الزخم للمجموعة الجديدة، التى أطلق عليها (فريق مراقبة العقوبات المتعددة الأطراف)، والتى أنشأتها «الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية» منذ أيام، من أجل تنسيق إنفاذ العقوبات على «كوريا الشمالية».

أما السيناريو الآخر، وهو الأكثر خطورة، هى أن تشكل تصرفات «كوريا الشمالية» عولمة خطيرة للحرب بين «روسيا»، و«أوكرانيا»، ما سيؤدى -بدوره- إلى اتحاد «كوريا الجنوبية» وحلفاء آخرين فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ وعلى صلة بالساحة الأوروبية؛ باختصار يبدأ ظهور تكتلات وأحلاف تنذر بذروة الأزمة التى قد تخرج عن السيطرة حال عدم إدارتها بشكل صحيح. 

وفى هذا السيناريو، من الممكن أن توسع «كوريا الجنوبية» دعمها إلى «أوكرانيا»، ما قد يقلب مجرى الصراع بأكمله، بل ويؤدى مباشرة إلى طريق مجهول.

فى النهاية، إن الحرب الروسية- الأوكرانية، والتوترات فى شبه الجزيرة  الكورية تتخذان منعطفًا خطيرًا، لأن بوادر تشابك الأزمتين، قد تسفر عن خطورة غير مسبوقة على المسرح الدولى، حال عدم إدارة تلك الأزمة المركبة المتشعبة بحنكة شديدة، فى ظل اختلاف وجهة نظر معسكرى الشرق والغرب وتمسكهما بمواقفهما الصارم.